
بِـقلم/ مريم ياسر فوزي
20 ألف كلمـة ؛ هذا هو متوسط عدد الكلمات التي تتحدثها المرأة في اليوم الواحد ، بينما 7000 كلمة هو متوسط عدد الكلمات التى يتحدثها الرجل في اليوم الواحد ..
عدد مهول ، ربما تقرأ الآن وتقول لي مستحيل ؛ لكن ابحث وستعرف أنها معلومة مؤكدة
ليس هذا موضوعنا الآن ؛ موضوعنا عن ماهية الكلمـة..
دعك من الكلمـات ، أسألُك عن الكلمة الواحده ، ما هي؟!
أخبرني هل أعطاك الله القدرة على الكلام والنطق بهذا العدد من الكلمات هباءً؟! ، حاشاه..
أو هل تظن أنه أعطاك هذه القدرة لتُسلي بها نفسك ، وتتحدث عن هذا وذاك ، وتنتقد هذا وتشتم هذا ، وتُوقِع بين هذين ، وتكسر قلب هذا ، وتجرح هذا بالكلمات ، وتغني بعض الأغاني التافهه و..و.. إلخ ؟
ألهذا رزقك الله هذا اللسان ، أو هل هذه قيمة الكلمات؟!
سأُحدثك عن قيمة الكلمة الواحدة ، ناهيك عن مجموعة من الكلمات..
أولاً – قال الله تعالي: ” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا..”
وفي هذا بيان للصفة التي يجب أن تتصف بها أقوالنا
كما قال ربنا: “حُسْنـاً..” ، وهي الأقوال الحسنة..
وقد أخبرنا الرسول ﷺ بأن : “الكلمة الطيبه صدقـه”.
الكلمة الواحدة صدقه! وما أدراك ما أجر الصدقة ،
لكنه ﷺ قال : الكلمة الطيبه ، الطيبة فقط..
فذكرُك لله في كلامك يزيدك حسنةً أو حسنات ، وكلمتك الطيبة لغيرك ترفعك درجات ، وتبني فيه أملاً وتُحيي فيه قلبـاً..
وقد نهى ﷺ أيضـاً عن الفُحش في القول، فقال: “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء.”
وهذه كلها نواهي عن أفعال هي حصادٌ للكلمة ، تطعن أخاك بكلمة ، تلعن غيرك بكلمة ، تكون بذئ اللسان بكلمة..إلخ
كلمة واحده تمنعك من الارتقاء إلي درجة الإيمان ، وهذا في الإسلام.
أما في علم النفس ؛ فإن الكلمة تبني إنسانـاً بل مجتمعـاً..
وجميعنا نعرف قصة العالِم العظيم توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي عندنا أُصيبَ بالتهاب الخشاء الذي تسبب لهُ بضعفٍ في السمع منذ صغره، وقد كان يصعب عليه الإنصات والاستماع الجيد للمُدرسةِ في الحصص المدرسية وفي يومٍ رجع إلى البيت مع رسالة من المدرسة، فقرأتها الأمُ له بصوتٍ عالٍ وهي تبكي: “ابنكِ عبقري والمدرسة صغيرةٌ عليهِ وعلى قدراتهِ عليكِ أن تُعلميهِ في المنزل.”
وبعد وفاة والدته جذبه الحنين فبدأ يبحث عن الذكريات في خزانة والدته، وجد تلك الرسالة والتي كان مكتوبًا فيها: “ابنك غبي جدًا، ولا يستوعب شيئًا ولذلك من صباح الغدِ لن نستقبلهُ بالمدرسة”.
أرأيتُم ماذا فعلت والدته؟!
أبطلت أثر الكلمات التى كُتبت في الورقة والتى كان من شأنها أن تصنع من أديسون شخصـاً غبياً للأبد ولا يعرف قدراته
ونسجت له من قلبها كلماتٍ كانت هى التى صنعت منه توماس أديسون الذي نعرفه الآن.
هذه هى قوة الكلمة ؛ وهذا هو أثرها ، ومع الأسف؛ فإننا نحتاج لإصلاح أثر كلمة سيئة ، آلافـاً من الكلمات الجيدة وربما لا يُجدي الأمر نفعـاً في بعض الحالات..
ولهذا فالكلمة الطيبة حقـاً صدقة ، لا تُنافق ، لكن جمِّل الكلمات ، واختر الأسلوب..
يمكنك أن تقول لشخصٍ ما أن ملابسه قبيحه ، وحينها ستجرحه وربما ستُفقده ثقته بنفسه إلي الأبد
ويمكنك أيضاً أن تقول لنفس الشخص أن هناك شكلاً آخر من الملابس سيبدو عليه أروع وأكثر جمالاً..
وهنا أنت لم تكذب لترضيه ، ولكنك جمَّلت الكلمات ، ولم تقل أن ملابسه قبيحه ولم تكسر قلبه ،
وحينها سيأخذ بنصيحتك بدافع المحبة وكله ثقةٌ بنفسه..
وهذا ينطبق على كل المواقف في حياتنا ، يمكننا أن نبلغ كل ما نريد وأفضل ؛ فقط بالكلمة الطيبة
ولن نكسر قلوب الآخرين أو نُحمِّل أنفسنا أوزار الكلمات السيئة
بل بالكلمة يمكنك أن تصنع شخصاً أفضل ، من شخص ربما تراه لا يصلح لشئ ، كما فعلت والدة أديسون.
وبِطيب الكلمات ، يتذكرك الناس ، يُثنون عليك ويحبونك ، ويُحبك الله قبل الناس
أما بسوء الكلام وببذاءة اللسان ، يتجنبك الناس ، ويحتقرونك ، لأنك شخصٌ مسكين ، يري العالم سيئاً ولا يستطيع حتى أن يتحكم في لسانه وأن يكون مهذبـاً وذا خُلقٍ حسن..
لنعُد إلي بداية الأمر ؛ سواءً تحدثتِ بـ 20 ألف كلمة في اليوم ، أو تحدثتَ بـ 7 آلاف كلمة في اليوم..
اجعل هذه الكلمات تُحسب لك لا عليك ، انتق كلماتك ، فالكلمات كالسهم إن أطلقته لن يرجع للخلف مرة أخري ، اصنع خيراً بكلماتك ، ادعم شخصـاً ، اشكر أحداً ، ابنِ ثقة طفلٍ بالكلمات ، أخبر شخصـاً أنك تحبه ، أنه سينجح ، أنه جميل ، أو حتى أخبره أنك فقط بجانبه و..و.. إلخ
وختامـاً أخبركم بقول القائل حينما قال :
“تكلم حتى أراك .”
ولهذا فالكلمة تُعبر عنك ، وتُخبرنا ما أنت ،
الكلمة هى فعلاً أنت ، والكلمة أثر..
فارتقِ بكلماتك لترتقِ ، ولِيطيب أثرك؛
فنحن سنرحل ولن يبقي منَّا سوي أثَر.