ثقافة و فن

الست زينات “الأرتيست”.. مسرحية تكشف معاناة فنانة بين الماضي والحاضر

كريمان سالم

 افتُتح العرض المسرحي “الأرتيست”، “عيني علينا يا أهل الفن”، بهذه الكلمات من مونولوج شهير، في مشهد ساخر يحمل بين طياته رسالة عميقة عن معاناة الفنانين، وتحديدًا الفنانات، في مواجهة النظرة المجتمعية السلبية. لم يكن اختيار هذا المونولوج عشوائيًا، بل عبّر بصدق عن جوهر العرض، الذي تناول جانبًا من السيرة الذاتية والفنية للفنانة المصرية السكندرية المحبوبة خفيفة الظل “زينات صدقي”.

الست زينات "الأرتيست".. مسرحية تكشف معاناة فنانة بين الماضي والحاضر
الست زينات “الأرتيست”.. مسرحية تكشف معاناة فنانة بين الماضي والحاضر 

أبدع المؤلف والمخرج محمد زكي في تقديم معاناة الفنانين، من خلال إسقاط اجتماعي ونفسي يربط بين الماضي والحاضر، في عرض مسرحي معاصر واقعي، يعكس رفض بعض الأسر المصرية عمل أبنائها وبناتها في مجال التمثيل والفن.

بدأ العرض بمشهد درامي رومانسي لطيف، جمع بين شاب وفتاة يتحدثان عن الطموح وحلم النجومية، ليُمهّد بعد ذلك لظهور بطلة العرض التي تجسد شخصية “زينات صدقي”، وهي تستمع لأنغام أم كلثوم في محاولة لاستعادة الذكريات. من هنا، تبدأ رحلة العرض مع مكالمة هاتفية من رئيس الجمهورية يُخبرها خلالها بقرار تكريمها في “عيد الفن”، لتبرز عقدة العرض الأساسية: عدم امتلاك الفنانة لفستان تحضر به حفل التكريم، في إسقاط على معاناة الفنان حين تنحسر عنه الأضواء وتتدهور ظروفه المادية.

تم توظيف رمزية الفستان ببراعة، حيث استعانت الفنانة بعدة طبقات من الفساتين ارتدتها فوق بعضها، لتعبّر عن مراحل حياتها المختلفة، متنقلة من مشهد إلى آخر بين فستان وآخر، حتى تصل إلى المرحلة الأخيرة التي تخلع فيها كل الفساتين، وترتدي تنورة وقميصًا بسيطًا، في إشارة رمزية إلى تحررها من قيود الماضي.

تألق مهندس الديكور فادي فوكيه في تصميم المساحة المسرحية، حيث حول منتصف المسرح إلى خزانة ملابس تمثل محور الأحداث، ومن خلالها تتنقل الفنانة بين الماضي والحاضر. كان هذا العنصر البصري بمثابة “بوابة زمنية” تنبع منها المشاهد، في تناغم تام مع أداء الفنانة هايدي عبد الخالق التي جسّدت الدور ببساطة وصدق دون مبالغة، مدعومة بإضاءة ذكية ومؤثرة من تصميم أبو بكر الشريف.

وأضاف المؤلف والمخرج محمد زكي بُعدًا دراميًا خياليًا من خلال شخصية الأخ الأصغر للفنانة، الذي كان يشاركها حلم الفن. في أحد أبرز مشاهد العرض، استخدمت تقنية المونتاج المسرحي لعرض مشهدين متوازيين: الأول لصفعة من الأب إلى الأخ أثناء دفاعه عن حق أخته في الفن، والثاني لصفعة من الأخ نفسه لابنه الذي يدافع عن عمته الفنانة بعد أن قررت مواصلة مسيرتها الفنية وترك المنزل. جاء التكرار الزمني للصفعتين ليُبرز صراع الأجيال وتناقض المواقف، ويعمّق من البعد الإنساني للمسرحية.

في نهاية المطاف، تتغلب المحبة وتنتصر العلاقات الأسرية، في لحظة مصالحة مؤثرة بين الفنانة وأخيها، ليُختتم العرض برسالة مؤثرة تُلقيها “زينات صدقي” عبر شاشة التلفاز، تُخاطب فيها عائلتها والمجتمع، مؤكدة أن ما حققته من نجاح لم يكن سهلاً، بل جاء نتيجة تحديات كبيرة، وأن الفن رسالة لا تقل شرفًا عن أي مهنة أخرى.

أبدعت هايدي عبد الخالق في أداء الدور الرئيسي، وشكّلت حجر الأساس لهذا العرض، إلى جانب تألق فاطمة عادل في دور الصديقة، وإضفاء روح شبابية مرحة من شخصيات الأبناء والجارة والخادمة وحارس العقار. كما ترك الخياط بصمة كوميدية مميزة، بينما قدّم الفنان ياسر أبو العينين أداءً صادقًا ومعبرًا في دور الأب.

وكما بدأ العرض بمونولوج “عيني علينا يا أهل الفن”، اختتم به أيضًا، في تأكيد على استمرار رسالة العرض من الماضي إلى الحاضر، كدعوة لاحترام الفنان وتقدير إبداعه وإنسانيته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى