ماهر حسن
أصبح المشهد السياسي والاستراتيجي في الشرق الأوسط يوفر لإسرائيل التوقيت الأكثر ملاءمة لشن هجوم كبير.
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعد خطة بسيطة لكنها جريئة لمحاربة البرنامج النووي الإيراني.
وتتضمن الاستراتيجية الإسرائيلية شن غارات جوية على المنشآت النووية الإيرانية، تليها عمليات برية تقوم بها القوات الخاصة الإسرائيلية لتطهير المناطق وتحييد التهديدات المحتملة.
وكان من المقرر تنفيذ هذه الاستراتيجية المحددة في وقت مبكر من شهر مايو/أيار 2025، بمساعدة القوات الجوية الأميركية، وهو ما جعل العملية العسكرية أكثر جدوى وأقل خطورة على إسرائيل.
لكن الولايات المتحدة، ورغم الاتفاق الأولي والضغوط من القيادة الإسرائيلية، قررت تأجيل العمل العسكري والتركيز على خيارات دبلوماسية واستراتيجية أخرى، وهو ما تسبب في خيبة أمل لدى حكومة تل أبيب.
ولقد قوبل خبر تأجيل هذا التوجه الاستراتيجي بخيبة أمل شديدة في إسرائيل، التي كانت قد علقت آمالاً كبيرة على الدعم الأميركي لتنفيذ خططها العسكرية.
ومن ناحية أخرى، فإن الدعم العسكري من جانب القوات الجوية الأميركية من شأنه أن يجعل العمليات أكثر أمانا بالنسبة لإسرائيل، ومن ناحية أخرى فإن الدعم الخارجي من شأنه أن يشكل انتصارا سياسيا واستراتيجيا لحكومة نتنياهو.
وعلى الرغم من خيبة الأمل الأولية، فقد حرصت الحكومة الأميركية، في عهد دونالد ترامب، على طمأنة حلفائها الإسرائيليين، موضحة أن خيار العمل العسكري لم يتم التخلي عنه، بل تم وضعه على الانتظار فقط.
وقال ترامب إن “استراتيجية القوة لا تزال مطروحة”، مشيرا إلى أن خيار توجيه ضربة محدودة لا يزال مفتوحا، في حين تستمر المفاوضات كخيار مفضل من قبل الحكومة الأميركية.
الظروف المواتية
إن المشهد السياسي والاستراتيجي في الشرق الأوسط يوفر لإسرائيل الفرصة الأكثر ملاءمة لتنفيذ استراتيجيتها.
وفي السنوات الأخيرة، عانى أعداء إسرائيل التقليديون، مثل حزب الله وحماس، من هزائم عسكرية خطيرة، في حين لم تعد سوريا، مع سقوط نظام بشار الأسد، تشكل تهديداً.
وعلاوة على ذلك، فإن قدرة إيران على استخدام وكلائها في سوريا أو لبنان ضد إسرائيل محدودة للغاية.
ولكن استراتيجية إسرائيل تركز أيضاً على الإبادة “المطهرية” التي ينفذها نتنياهو للفلسطينيين في غزة، وهي حقيقة يراقبها المجتمع الدولي بصمت أو حتى قبول.
إن التصعيد الأخير للعنف في غزة والهجمات المستمرة ضد الفلسطينيين عززت موقف إسرائيل، مما يوضح أن الوحدة العربية والتضامن تجاه إسرائيل لم يعد موجودا.
لقد كان الدعم الأمريكي في عهد ترامب حاسما لإسرائيل.
لقد عرض الرئيس الأميركي المعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل، على إسرائيل فرصة نادرة للمضي قدماً بخططها الاستراتيجية الأكثر طموحاً، موضحاً أن الدولة الحليفة مستعدة لقبول أكثر الإجراءات الاستراتيجية عدوانية.
نتنياهو واستراتيجية “الهجوم”
نتنياهو هو أحد أقدم زعماء إسرائيل في السلطة، وفي عام 2025 بدا الأمر وكأنه حصل على اللحظة المناسبة لتأمين إرثه في التاريخ.
منذ سنوات، يعمل نتنياهو على تعزيز الاستراتيجيات التي تهدف إلى القضاء على التهديدات الأكثر أهمية التي تواجه إسرائيل.
وتعتبر المفاعلات النووية الإيرانية والشعوب العربية والمنظمات الإسلامية في الشرق الأوسط جزءاً من الأعداء الذين يسعى نتنياهو إلى القضاء عليهم، متبعاً استراتيجية “نظيفة” من شأنها أن تقود إسرائيل إلى موقع هيمن في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، فإن إضعاف أعداء إسرائيل التاريخيين (مثل حزب الله، وحماس، ونظام الأسد في سوريا) عزز موقف إسرائيل.
وقد أدى هذا التغيير إلى خلق مناخ ملائم لاستراتيجية الصراع والعدوان الكبير في إيران.
الاستراتيجية الأمريكية والتناقضات في واشنطن
ومن ناحية أخرى، تقف الحكومة الأميركية في عهد ترامب عند مفترق طرق.
ورغم دعمه المبدئي لإسرائيل، فإن المشهد السياسي في الولايات المتحدة لا يزال غير مؤكد.
ويختلف بعض مستشاريه، مثل وزير الدفاع مارك إسبر، مع فكرة توجيه ضربة عسكرية لإيران، ويصرون على أن المفاوضات هي الطريق الأفضل لتجنب التصعيد.
ويسلط هؤلاء المسؤولون الضوء أيضاً على القيود التي تواجهها الولايات المتحدة في قدراتها العسكرية، وخاصة بعد فشل التدخلات العسكرية في العراق وأفغانستان.
ويبدو الصراع مع إيران خطيرا بشكل متزايد، ويبدو احتمال اندلاع حرب كبرى في الشرق الأوسط مرجحا بشكل متزايد إذا فشلت الجهود الدبلوماسية.
وتفتقر الولايات المتحدة إلى القوات الاستراتيجية والوقت اللازم للتعامل مع عملية عسكرية واسعة النطاق، كما يواجه البنتاغون صعوبات جدية في إرسال قوات عسكرية إلى المنطقة.
وإذا قررت الولايات المتحدة في نهاية المطاف توجيه ضربة محدودة، فإنها لن تكون قادرة على وقف البرنامج النووي الإيراني، وهو الأمر الذي أثبتته بالفعل الهجمات الإسرائيلية في الماضي.
لكن احتمال اندلاع حرب كبرى يظل قائما، وهذا يعتمد على الخيارات التي تتخذها الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء.
إذا فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في الاتفاق على استراتيجية مشتركة، فإن إمكانية التصعيد إلى حرب عالمية في الشرق الأوسط تبدو متزايدة الاحتمال.