عربي ودولي

نتنياهو متباهياً : “ابني صهيوني حقيقي”

نتنياهو متباهياً : "ابني صهيوني حقيقي"

ماهر الجعفري

تباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنجله يائير، واصفاً إياه “بأنه صهيوني حقيقي“، لديه رؤية لمستقبل إسرائيل، ذلك عقب تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نية مستقبلية لاعتراف بلاده بدولة فلسطين، وقد سارع يائير نتنياهو نجل نتنياهو بمهاجمته وسبّه، معتبرًا أن الحديث عن وجود دولة فلسطينية يهدد وجود إسرائيل.

كلمات نتنياهو الابن غازلت طموحات الأب، الذي يرتكب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في حربه على قطاع غزة المستمرة منذ 16 شهرًا من جهة، ويطلق يد مستوطنيه المسلحين على الفلسطينيين العزل في الضفة الغربية.

في هذا السياق، تؤكد كلمات نتنياهو الابن عن خطر وجود دولة فلسطينية وحديث نتنياهو الأب عن رؤى نجله للمستقبل تحليلًا نقديًا لخطاب اليمين المتطرف المتصاعد في إسرائيل، وما الملامح الأيديولوجية والرسائل التي تحملها هكذا خطابات عنصرية متطرفة لمستقبل فلسطين والمنطقة، في ظل مواصلة إبادة غزة، ربط هذا الخطاب بعلاقات القوة في المنطقة؛ إذ يأتي تبجح الاحتلال بالافصاح عن هذه الرؤى استنادًا إلى الدعم الأمريكي غير المشروط الذي يشهد أوجهه مع صعود اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة وعودة ترامب للبيت الأبيض.

نتنياهو الابن يسب”نية ماكرون”

بدأت القصة في أعقاب زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة، حيث قال في اليوم التالي للزيارة، في تدوينة عبر حسابه بمنصة «إكس»: «هذا هو موقف فرنسا- إنه واضح: نعم للسلام. نعم لأمن إسرائيل. نعم لدولة فلسطينية بدون حماس».

أشار الرئيس الفرنسي أيضًا إلى: “مؤتمر حول حل الدولتين في يونيو المقبل، والذي قال إنه يجب أن يكون نقطة تحول”.

رغم حديث ماكرون عن حل الدولتين كان على استحياء، ورغم اصطفافه مع المطلب الإسرائيلي والأمريكي الداعي لنزع سلاح حماس، إلا أن كلماته عن”حل الدولتين”، ونية بلاده “الاعتراف بفلسطين”على حد وصفه وكأنها تنتظر اعترافه، إلا أن مجرد تلويح ماكرون بكارت النية أجج غضب نتنياهو الابن، مما يُظهر أن العقلية التوسعية متوارثة جينيًا في إسرائيل.

لم يتأخر رد يائير نتنياهو، ليسارع بشتم ماكرون: «إلى الجحيم! نعم لاستقلال كاليدونيا الجديدة! نعم لاستقلال بولينيزيا الفرنسية، نعم لاستقلال كورسيكا، نعم لاستقلال إقليم الباسك، نعم لاستقلال غويانا الفرنسية، أوقفوا الإمبريالية الفرنسية.

أشار الرئيس الفرنسي أيضًا إلى: «مؤتمر حول حل الدولتين في يونيو المقبل، والذي قال إنه يجب أن يكون نقطة تحول».

لا تعايرني ولا أعايرك

لم يكتفِ يائير بسب ماكرون على”نيته للاعتراف بفلسطين»، بل واصل ساخرًا على مبدأ”لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك”، مذكرًا الرئيس الفرنسي بأن فرنسا تحتل هي الأخرى أراضٕ أفريقية.

واصل نتنياهو الابن في تغريدته المضادة: «أخطأ الرئيس ماكرون خطأً فادحًا بمواصلته الترويج لفكرة دولة فلسطينية في قلب بلادنا»، على حد وصفه وادعائه. وأشار يائير نتنياهو إلى وجوب تحرير العديد من المناطق الأفريقية الخاضعة للسيطرة الفرنسية.

فلسطين”وهم منفصل عن الواقع”

تحدثت صحيفة”معاريف” العبرية، عن”خطيئة ماكرون” وقالت في تقرير تحليلي لها: “لن نعرض وجودنا للخطر بسبب أوهام منفصلة عن الواقع لماكرون، ولن نقبل المواعظ الأخلاقية لإقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تعرض وجود إسرائيل للخطر، من أولئك الذين يعارضون منح الاستقلال لكورسيكا وكاليدونيا الجديدة وغويانا الفرنسية وغيرها من الأراضي التي لن يعرض استقلالها فرنسا للخطر بأي شكل من الأشكال”.

نقلت الصحيفة الاسرائيلية عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعمه لنجله الذي “شتم ماكرون”، وقد وصف نتنياهو نجله بأنه «صهيوني حقيقي، لديه رؤية لمستقبل إسرائيل”.

في سياق آخر نقلت صحيفة”هآرتس” الاسرائيلية المحسوبة على اليسارـ تغريدة نتنياهو منتقدًا دعمه لنجله الذي «شتم ماكرون»، قائلًا: «أحب أبني يائير، فهو صهيوني حقيقي يهتم بمستقبل البلاد، كأي مواطن له الحق في إبداء رأيه الشخصي، مع أن أسلوب رده على تغريدة الرئيس ماكرون الداعية إلى إقامة دولة فلسطينية غير مقبول بالنسبة لي”.

أضاف نتنياهو أن “الرئيس ماكرون يُخطئ خطأً فادحًا بمواصلته الترويج لفكرة دولة فلسطينية في قلب بلادنا، طموحها الوحيد هو تدمير دولة إسرائيل.

حتى هذه اللحظة، لم تُدِن أي شخصية في حماس أو السلطة الفلسطينية فظائع أسوأ مذبحة ارتُكبت ضد اليهود منذ الهولوكوست، مما يُشير إلى موقفهم الحقيقي تجاه الدولة اليهودية. لن نُعرّض وجودنا للخطر بسبب أوهام منفصلة عن الواقع، ولن نقبل مواعظ أخلاقية تُنادي بإقامة دولة فلسطينية تُعرّض وجود إسرائيل للخطر، من أولئك الذين يُعارضون منح الاستقلال لكورسيكا وكاليدونيا الجديدة وغويانا الفرنسية وأراضٍ أخرى، والتي لن يُعرّض استقلالها فرنسا للخطر بأي شكل من الأشكال».

ملامح كلمات نتنياهو الابن

في محاولة لتحليل خطاب نتنياهو الابن، والملامح الأيديولوجية والرسائل المستقبلية التي تحملها هكذا رؤى في ظل علاقات القوة واستناد إسرائيل إلى دعم أمريكي غير مشروط للسياسات التوسعية على حساب الوجود الفلسطيني، وما إذا كانت تحمل اتجاهًا عامًا في إسرائيل يرفض الاعتراف بدولة فلسطين مقابل فرض السردية الصهيونية التوسعية على حساب أصحاب الأرض.

قال المحلل الفلسطيني أيمن الرقب، إن الاحتلال الإسرائيلي لا يفوت فرصة لفرض الرواية الصهيونية، بل إنهم يستخدمون أساليب سيكولوجية تفرض سياسة الأمر الواقع وتشكل رأيًا عامًا عالميًا يؤيد سياساتهم.

تابع الرقب بأن طبيعة المجتمع الإسرائيلي الذي يحركه سُلَّة من المتطرفين الذين يرفضون الآخر، ويعتبرون كل من هو غير صهيوني «جوييم» أو «أغيار» يجب التخلص منهم لإقامة «إسرائيل الكبرى».

«جوييم» كلمة عبرية تعني لغويًا”الأغيار”، تُطلق اصطلاحًا على غير اليهود، لتعكس النزعة المتطرفة في التمييز الحاد والقاطع بين اليهود “كشعب مقدس يحلّ فيه الإله”من جهة، والشعوب الأخرى التي تقع خارج دائرة القداسة من جهة أخرى.

عند استيلائهم على أراضي ومنازل الفلسطينيين، يستند المستوطنون المنتمون لليمين العقدي المتطرف في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى هذا التقسيم الحاد والاستعلائي، معتبرين أن الإله صنف البشر بين «يهودٍ يقفون داخل دائرة القداسة»، وآخرين «أغيار» أو «جوييم» مستباحين يقفون خارجها، وقد برز ذلك في موجات الاستيلاء على منازل الفلسطينيين ضمن مشروعهم الاستيطاني، بدعوى أن تلك الأرض المقدسة منحة من الرب لشعبه المقدس.

تابع المحلل الفلسطيني أن إسرائيل تعزز المفاهيم التوسعية وتبرر استيلاءها على الأراضي العربية استنادًا إلى هذه المفاهيم العنصرية، بل إنها تلقنها للأجيال في المدارس التلمودية والحريدية التي تتعامل مع كل من هو غير صهيوني على أنهم «جوييم» لا يستحقون الحياة، وهو ما برز جليًا في حديث نتنياهو الابن الذي يكرّس لعنصرية علنية لا تهدد الوجود الفلسطيني فحسب، إنما تُهدد السلم الإقليمي.

الصهيونية توظف النص التوراتي

تحدث المحلل الفلسطيني عن توظيف الصهيونية للمفاهيم التوراتية لتبرير سرديات الاحتلال من منظور ديني، مستغلة الصهيونية المسيحية التي تحشد مؤخرًا لدعم إسرائيل رغم ارتكابها جرائم تطهير عرقي، مشيرًا إلى تأثير هذا التوجه على السياسات الأوروبية تجاه إسرائيل، مستندًا إلى ميل لهجة ماكرون إلى الجانب الإسرائيلي؛ إذ لم يتحدث الرئيس الفرنسي عن نزع سلاح المستوطنين الإسرائيليين أو مستقبل الضفة وغزة، مكتفيًا بالحديث عن نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية «حماس».

شدد الرقب على خطورة الترويج عربيًا لهذه التوجهات التي لا تكتفي بتمرير السرديات الإسرائيلية وتغفل الحق في قيام الدولة الفلسطينية فحسب، بل تهدد البقاء الفلسطيني.

المال الأوروبي

في السياق، اعتبر اللواء حابس الشروف أن هذا التبجح في طرح الرؤى الرافضة للوجود الفلسطيني مستند إلى الدعم الأمريكي، الذي يشهد أوجه مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض، مؤكدًا أن الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل عزز تصاعد الفكر الصهيوني الديني والتطرف اليميني في إسرائيل.

أوضح المحلل الفلسطيني أن الدعم الأمريكي لإسرائيل لم يعد مجرد تحالف سياسي، بل أصبح يستند إلى مرجعيات دينية توراتية، كما صرح السفير الأمريكي في إسرائيل بأن «الدعم ينبع من التوراة»، مما يرسّخ رؤية أن «أمريكا هي إسرائيل الكبرى».

تابع: “يتجلى ذلك في الدعم غير المحدود من تيارات الصهيونية المسيحية التي تنتشر في أكثر من 40 دولة عبر ما يسمى ب”السفارة المسيحية الدولية”، التي تجمع التبرعات لتغذية المشروع الصهيوني وتدعم ممارساته الإجرامية، واستشهد اللمحلل الفلسطيني بأن عدول الرئيس الفرنسي عن تصريحاته تكشف استجابته للضغوط الصهيونية

في آخر تطورات المشهد، اعتبر نتنياهو أن الحديث عن”دولة فلسطينية”، يعد”مكافئة للارهاب”في إشارة لحركة المقاومة الفلسطينية حماس وردا على ذلك سارع ماكرون باجراء مكالمة هاتفية رباعية شدد فيها على،وجوب نزع سلاح حماس وأبعادها من المشهد السياسي «فق بيان نشره الأخير عبر حسابه الرسمي بموقع إكس.

اعتبر الشروف أن حديث نتنياهو الابن ليس مصادفة، إنما نتاج تنامي اليمين المتطرف في إسرائيل وانتشاره السريع في المشهد السياسي، حيث أصبح الفكر الفاشي والعنصري ركيزة أساسية في خطاب الدولة، متمثلًا في الدعوة للتخلص من كل من يعارض سياسات التوسع أو يقف في طريق”السيكيولوجيا الصهيونية”.

هذه التيارات ترى في العرب”جوييم”، أي أغيار لا يستحقون الحياة على قدم المساواة، مما ينذر بتصاعد خطاب الإبادة لا مجرد الاحتلال، والدعم الأمريكي لهذا الخطاب هو ما يمنح إسرائيل جرأتها في التبجح بممارساتها.

الطريق للمواجهة

اختتم المحلل الفلسطيني منتقدًا غياب الرؤية فلسطينيًا وعربيًا، مشددا على وجوب تحسس الطريق لمواجهة هذه الرؤى التي تهدد الأمن الأقليمي مشددا على أنها لن تتوقف عن أنهاء وتصفية القضية الفلسطينية بل تنذر بما هو أخطر في المستقبل القريب منتقدا حديث البعض عن نزع سلاح المقاومة، في ظل وجود ترسانة سلاح بيد المستوطنين، مع تفشي هذا الخطاب العنصري الرافض للوجود الفلسطيني، هو ظلم فادح.

بين أن لا فلسطيني يقبل برفع الراية البيضاء، المعركة لم تعد مجرد صراع على الأرض، بل معركة وجود وهوية مشددا على وجوب صياغة موقف عربي موحد، يتجاوز المصالح الضيقة قصيرة المدى للضغط من أجل وقف المجازر، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، وفتح ملفات المحاسبة الدولية ضد قادة الكيا مختتما بأنه بدون وحدة وطنية وعربية، لن يكون بالإمكان بناء استراتيجية صمود فعالة ولن يكون مستقبل للمنطقة بأسرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى