مصر اليوم

فَصبـرٌ جميـل

بـقلَم / مَريَّـم يَاسِـر فَـوزي 

قيل عنـه أنَّه مفتاحٌ للفرج ، وقال الله تعالى عمَّن يتصفون به أنَّهم يُوَفُّـون أجورهم بغيـر حسـاب ، وتعددت الآيات فى ذِكر فضائلـه

“وبشِّـر الصَابريـن” ، “واللهُ يُحبُّ الصابريـن” ،

“وجزاهُم بمَا صبروا جنَّةً وحريـراً” ، والكثيـر من الآيات..

ومن العجيـبِ قولُ نبيِّ الله يعقوب بعد مرور أعوام من فقد فلذة كبده يوسف عليه السلام ، ثم فقده لأخيـه من بعده : “فصبـرٌ جميـل”

فكيف كان له أن يري جمالاً في هذا البلاء ؟! 

وكيفَ يكونُ الصبـرُ جميلاً ؟ ، نحن نُصبِّر بعضنا في المِحن ونقول اصبر يا فلان ، وبعد الصبر جبر  و..و… ، ولكننا نعلم جيـداً أن الصبر ثقيـل ، وموجِع 

لكن في الحقيقة تعلَّمتُ أن الصبـر لا يكونُ في البلاء فقط ، بل هو أسلوب حياةٍ ، ولهذا ذُكِـر مراراً وتِكراراً في الآيات ، وفي أقوال الحكماء ، ليس كلمة نرددها ، بل هو منهج حياة..

ولكن كيف يكون الصبرُ منهج حياة؟ وما هى أشكال وجوده إن لم يكن في البلاء فقط ؟

في الحقيقـة للصبـر أوجه عديده ، وإذا أمعنَّا النظر في أمور حياتنا سنجد أنه جزء من كل أمر فيها ، وحلٌ لكل إشكال في حياتنا 

فالصبر هو سيد الأخلاق وركيزته وأساسه ، إذ أن العفة صبر عن الخضوع للشهوة، والحِلم صبر عند الشعور بالغضب، كذلك فإن القناعة وسعة الصدر وجميع تلك الأخلاق هى صبرٌ عند حدوث ما يدفعنا لفعل عكس تلك الأخلاق 

ونجد أن المصطلحات الحديثـة لمقومات النجاح ، كالمثابره والاستمراريه ، والالتزام رغم انعدام الطاقة والشغف و..و.. ؛ جميع تلك العادات التى نسعى لاكتسابها حديثـاً ما هى إلا صبر ؛ صبرٌ على التعب والجهد للوصول إلى النجاح ، صبرٌ على عدم ظهور نتائج فوريه لجهودنا ومع ذلك نستمر في السعى ثقةً فى الله ثم فى النتائج 

وحتى أن اكتسابك عادات جديدة والتخلص من عادات أخرى سيئة هو فى حد ذاته صبرٌ على النفس ، صبرٌ على نفسك إن وقعت أو توقفت ، ودعمك لنفسك حتى تنهض مجدداً وتُكمل الطريق وتصبح شخصـاً أفضل 

وصبرك على نفسك في الطاعات ، فأنت تصبر على نفسك وتساعدها أن تخطو خطوات بسيطه في الطاعات حتى تصبح إلى الله أقرب ، والصبر على فعل المعاصى والأخطاء ، فصبرك على نفسك وعدم اتباع هواك فيما يخالف أمر الله أو ما يخالف الصواب ، هذا صبر عظيـم 

والصبـر هو الثقـة التامة في حدوث الخيـر حتى عند انعدام المؤشرات التى تدل على ذلك ، وبشكلٍ عام ؛ مهما كانت حياتك في الدنيـا سعيدة ، فإنها لا تخلو من تعبٍ ما  ، ولا تخلو من ابتلاء ما ، ولهذا فلا بد من اصطحابك للصبر في طريقك..

وقد أمرنا الله تعالى فى كتابـه : “واستعينوا بالصبـر والصلاة..” 

ولم يقل ﷻ نستعين بهما على ماذا؟ بل جاء اللفظ عامَّـاً لـيُفيد العموم والشمول ، فأمرنا الله ﷻ بالاستعانة بالصبـر والصلاة في كل الأمور ، وقد سبق الصبر الصلاة في هذه الآية ، لأن الانتظام على إقامة الصلاة في حد ذاته صبر..

ولهذا فإن الوصفة السحريـة كما يقول البعض ؛ تكمن في الصبر ، على مصاعب الحياة وعلى الابتلاءات ، وعلى أنفسنا ، وعلى أحبائنا ، والصبر على تربية الأبناء ، والصبر على بذل الجهد والسعى و…و…

وإذا كنتَ مبتلى بابتلاء ما ، فاصبر أولاً ، ثم انظر لهذا الابتلاء ، هل له حل؟

إن لم يكن له حل كفقد عزيز أو مرض ، فاصبر فإنك مأجورٌ على صبرك ولن يضيع هذا الصبر عند الله 

أما إذا كان ابتلاءك في فقرٍ أو اخفاقٍ فى أمر ما أو خسارة مادية أو..أو.. ، فاصبر أيضـاً ، ولكن لا تستسلم لهذا ، فالصبر لا يعنى أبداً الاستسلام ، بل اصبر واسعى لتغيير هذه الظروف ، واصبر على بذل الجهد المطلوب لهذا ، حتى تصل إلى نتيجة ترضيك

فلا تقل أنا فقير سأصبر وهذا قدرى ، فهذا جُبن وتكاسل ، بل اصبر على فقرك مؤقتـاً واسعَ لتحسين حياتك وظروفك واعمل بجد حتى تتخلص منه 

لا تقل أنا مستواى العلمى قليل سأصبر على هذا ، بل قم وتعلم واسهر واصبر على السهر واعمل على نفسك حتى تصبح أفضل 

لا تقل أنا أخلاقي بها عيوب سأصبر على هذا ، بل قم واعمل على تحسين أخلاقك واجعل الصبر هو صبرك على نفسك لتحسينها وليس لتقبُّـل الصفات السيئة فيها

لا تقل أنا وزنى زائد سأصبر على هذا ، بل قم وتمرن وغيّر نظامك الغذائى واتعب واصبر على تعبك حتى تتخلص مما لا يعجبك في نفسك ، سواءً كان عادة ، أو صفة ، أو ظروفٍ ما في حياتك ،  أو شيئاً فى شكلك أو مستواك العلمى أو الصحي أو النفسى أو..أو..

واعلم أن الصبر أعظم بكثير مما قيل عنه ، وأنه فعلا مفتاحٌ للفرج إذا استعنت به بعد استعانتك بالله عز وجل 

وثق بالله ثم بنفسك ولا تتخل عن أحلامك أو عن صبرك 

فالصبر شجرةٌ جذورها مرة وثمـارها شهيـة 

واصبر على كل أمورك ، وأوجاعك ، وابتلاءاتك ، وظروف حياتك حتى تغيرها للأفضل ، اصبر في كل خطوة ، ولا تتخلى عن صبرك أبداً في كل أمورك

فمن لا يُنجيـه صبره ، سيهلكـه جزعـه

فاختر مصيرك بنفسك ، إما صبرٌ يُنجيك ، أو جزعٌ يُهلكك!

وردد دائمـاً : “فَصبـرٌ جميـل”.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى