23 عامًا على رحيل “قرنفلة فلسطين” وفاء أدريس

كتب: محمود السيد
عامًا من الزمان تحل اليوم ذكرى استشهاد قرنفلة فلسطين الشهيدة وفاء إدريس، أول استشهادية في الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”، حينما أعلنت كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني “فتح” مسؤوليتها عن عملية القدس الفدائية يوم 28 يناير عام 2000.
قال موقع قدس الفلسطيني خلال احياء ذكرى استشهادها الخامسة عشر، يوم السبت 28 يناير 2017 إن العملية الفدائية التي نفذتها الاستشهادية وفاء إدريس لاقت استغرابًا فلسطينيًا، حيث أنها العملية الاستشهادية الأولى التي تنفذها فتاة خلال الانتفاضة الثانية، لتبدأ بعدها الفدائيات بتنفيذ سلسلة من العمليات الاستشهادية وبذلك تعد وفاء الاستشهادية الرائدة .
خرجت وفاء في مثل هذا اليوم ٢٨ يناير عام 2002 من عملها بالهلال الأحمر الفلسطيني من سكان مخيم الأمعري في رام الله، لتنفذ عملية استشهادية وسط مدينة القدس، قتل خلالها اسرائيلي وأصيب ٩٠ آخرون بجروح، حسبما كشفت بيانات الاحتلال وقتها.
تطايرت أخبار العملية الاستشهادية الرائدة في الصحافة العالمية، حتى أن صحيفة صوت الأمة المصرية برئاسة تحرير الكاتب الصحفي عادل حمودة، نشرت صورة الشهيدة على الصفحة الأولى كاملة تحت عنوان”قرنفلة فلسطين تنسف غرور شارون”، حيث كان شارون وقتها، رئيس وزراء الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة.
كانت الفدائية الفلسطينية وفاء إدريس في عمر 27 عامًا، هى أولى الفدائيات الإناث في انتفاضة الأقصى التي اندلعت في سبتمبر 2000، إذ أنها من مواليد يوم 11 فبراير 1973.
نشأتها
استقر الأمر بأهلها بعد عملية تشريد ممنهجة من الاحتلال الإسرائيلي، في مخيم الأمعري بالقرب من رام الله، حيث عاشت وفاء مع أشقائها الثلاثة “خليل وخالد وسلطان” في بيت متواضع من الطوب ومصفح بألواح الإسبست، إلا أن الاحتلال استمر بملاحقته للعائلة المهجرة، شقيق وفاء، “خليل” اعتقل ثماني سنوات في سجون الاحتلال، ليضطر شقيقه “خالد” إلى ترك الدراسة من الصف الثامن لإعالة أسرته، بعد وفاة والدهم، فيما انضم شقيقها الأصغر “سلطان” إلى شقيقه في العمل لمساعدته.
أتى الدور علي وفاء فالتحقت بدورة طبية وأصبحت تعمل في جمعية الهلال الأحمر، تطوعت في الانتفاضة لعلاج الجرحى المصابين، فكانت تحرص على عملها خصوصا في أيام الجمعة حيث تزداد وتيرة المظاهرات والاشتباكات مع جنود الاحتلال بعد صلاة الجمعة.
ودعت وفاء عائلتها فى يوم من الأيام، كانت تقول “الوضع صعب وربما يستشهد الإنسان في أية لحظة”، فشعر شقيقها خليل، أن ساعة الحسم بالنسبة لوفاء قد اقتربت، وبالفعل، في هذه المرة تأخرت وفاء ولم يكن من عادتها، حيث حل الليل ولم تحضر، وبدأ أهلها بالبحث عنها وسألوا بعض صديقاتها، فقلن إنها ودعتهم وكانت تطلب منهم الدعاء وهي تقول لهن سأقوم بعمل يرفع رؤوسكن دون أن تفصح عن هذا العمل.
بقيت الأسرة تترقب، حتى وصلها خبر تنفيذ وفاء عملية استشهادية في شارع يافا بالقدس المحتلة، ولم تستطع التأكد حتى أصدرت كتائب شهداء الأقصى بيانا تزف فيه خبر استشهاد وفاء في عملية بطولية أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الإسرائيليين.
لحظة التنفيذ والشهادة
وصف موقع قدس اللحظة الحاسمة قائلًا: لبست حزامها الناسف، أرادت أن تعيد لنا صفحة من صفحات الفدائيات، فودعت القريب والبعيد، وخطبت على منبر الحياة، خطبةٌ لا دموع فيها ولا خوف، ولا تلعثم في سطورها ولا تردد، عازمة على الشهادة، مشتاقة إلى جنة ربها، قادمة بقوة، وبدأت الدنيا كلها تنظر إليها، العالم كله يترقب أمرها، هدوء ملأ الكون، والليل اختنق، النهار يفرك عينيه، والشمس خجلت، التاريخ وقف أمامها، يتأمل مشيها، يحفظ درسها، ينقل تاريخها، يسطر أفعالها يروي أمرها ويلقي كلماتها تسمع تكبيرا من بعيد، عجوزا جاوزت الثمانين تمتمت بالدعاء لها، وطفلا يجري خلفها وهو يبكي ويصيح، يقول “وفاء وفاء وفاء ينصر دينك”.
واصل الموقع الفلسطيني، سرد خطواتها إلى تنفيذ عمليتها الاستشهادية حتى يحفر أسمها بحروف من نور في سجل الشرف، متسائلًا: كيف كان شكلها والحزام الناسف يزين خصرها، ويجيب بالتأكيد كانت تسير بخطوات واثقة، يا الله، وفاء بقي على هدفها دقائق، ويعيد التساؤل مرة أخرى، كم من حاجز قد عبرت؟، وكم من تفتيش قد أعمى الله عليهم؟، فعبرت الصعاب،وتجاوزت المتاعب، ونسفت النكبات.
تسير وفاء، خطوة، خطوة، خطواتها الأخيرة على هذه الأرض قد اقتربت، أنفاس الدنيا أصبحت تضيق أمام ناظريها، تركت الدنيا لأهلها، فأرادت أن تذهب إلى وطنها الحقيقي، وقفت وفاء وصيدها أمام عينيها، تنظر إليه وهي في فرحة كبيرة، وسعادة غامرة، وبسالة شديدة، صعدت الروح إلى بارئها، بقي الجسد شاهد على النضال والفخر.