Uncategorized

حين عاد الطين عاشقً

حين عاد الطين عاشقً

1. ذاكرةُ البدءِ

في أوَّلِ الدَّرْبِ

كانَتْ تُطَرِّزُ مِنْ ظِلِّها

قَمِيصَ انْتِظارٍ

وَتَعْجِنُ مِنْ قَمْحِ القَوافِي

رَغِيفَ الحَنِينِ

وَتُعَلِّقُ عَلَى خَاصِرَتَيْها

مَفَاتِيحَ قَرْيَةٍ ذُبِحَتْ ذاتَ مَنْفًى

وَلا زَالَ بَابُ الهَوَى فِيهَا

يَنْزِفُ غِيَابًا

كانَتْ هُنَاكَ،

حِينَ كَانَ الوَطَنُ طِفْلًا

يَرْكُضُ فِي السَّاحَاتِ

خَلْفَ طُيُورِهِ

وَكَانَ أَبِي يَرْبِطُ الشَّمْسَ

فَوْقَ جَبْهَتِهِ

كَرَايَةِ قَمْحٍ لا تَمُوتُ

وَكَانَتْ أُمِّي تُخَبِّئُ فِي الكِسْرَةِ

طَعْمَ البِلَادِ

وَفِي البُرْمَةِ نَارَ الرُّوَاةِ

2. حُبٌّ بِنَكْهَةِ الوَطَنِ

أَحْبَبْتُهَا

كَمَا يُحِبُّ الفَلَّاحُ تُرَابَهُ

كَمَا تُحِبُّ الجَدَّاتُ

خُرَزَ السَّبَحِ القَدِيمَةَ

كَمَا تُحِبُّ الغَزَالَةُ عِطْرَ السُّهُوبِ

رَائِحَةَ الزَّعْتَرِ فِي ثَوْبِهَا المُطَرَّزِ

وَهِيَ تَعُدُّ الحَكَايَا عَلَى

ضَوْءِ فَانُوسِهَا البَاكِي

كَانَتْ هِيَ

قَصِيدَتِي الضَّائِعَةَ فِي كِتَابِ النَّسَبِ

تَنْهَضُ مِنْ سِجَادَةٍ مُعَلَّقَةٍ

وَمِنْ دَمْعِ نَحَّاتٍ

نَقَشَ مَلَامِحَهَا عَلَى جَرَّةٍ فَخَّارِيَّةٍ

قَبْلَ أَنْ يُصْلَبَ ظِلُّهُ

عَلَى جِدَارِ النِّسْيَانِ

3. الرَّحِيلُ

وَفِي مَسَاءِ مَشْؤُومٍ

أَهْدَوْا الطَّرِيقَ لِوَهْمِ الغُزَاةِ

وَصَارَتِ القَصَائِدُ صَدًى مَكْسُورًا

يَبْحَثُ عَنْ حِبْرِ التُّرَابِ

قَالُوا:

“هُنَا لا مَكَانَ لِلنَّايَاتِ…

وَلا لِلَّوْنِ…

وَلا لِثَوْبٍ مُطَرَّزٍ بِحَكَايَاتِ الجُدُودِ!”

فَرَحَلَتْ هِيَ،

وَرَحَلَ صَوْتُهَا

مِنْ عَلَى مَآذِنِ الطِّينِ

لَمْ تَبْقَ إِلَّا الجِدَارِيَّاتُ تَبْكِيهَا

وَنَحْنُ نَحْفَظُهَا…

كَأُنْشُودَةٍ سَقَطَتْ مِنْ فَمِ الزَّمَانِ

 4.العَوْدَةُ

وَاليَوْمَ.. عُدْتُ

وَفِي يَدَيَّ تَمَائِمُ الذَّاكِرَةِ

وَفِي صَوْتِي رَنِينُ السَّوَاقِي القَدِيمَةِ

وَفِي قَلْبِي بَقِيَّةُ عِطْرٍ

احْتَفَظْتُ بِهِ مِنْ مَنْدِيلِهَا

حِينَ وَدَّعَتْنِي

عَلَى عَتَبَةِ القَصَبَةِ وَقَالَتْ:

“ارْجِعْ..إِذَا اشْتَاقَتِ القَصِيدَةُ

إِلَى رَائِحَةِ الحِنَّاءِ

إِذَا عَادَتِ الحُقُولُ إِلَى غِنَائِهَا

إِذَا سَكَنَ فِي الحَرْفِ ظِلُّ البِلَادِ..”

5. الخِتَامُ

عُدْتُ،

فَوَجَدْتُهَا هُنَاكَ

جَالِسَةً تَحْتَ سَرْوَةِ الذِّكْرَى

تُمَشِّطُ ضَفَائِرَ التُّرَاثِ

وَتَنْتَظِرُ عَاشِقًا عَادَ مِنَ الرَّمَادِ

فَبَكَيْتُ،

كَأَنِّي طِفْلٌ

وَجَدَ قَلْبَهُ فِي قُفَّةِ أُمِّهِ

وَهَمَسْتُ فِي أُذُنِ الوَطَنِ:

“قَدْ عُدْنَا

فَافْتَحْ أَبْوَابَ القَصِيدَةِ

لِنَكْتُبَهَا مِنْ جَدِيدٍ…”

شعر: سميرة بن حسن

تونس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى